الجزء الثاني من السيرة الهلالية .. أبو زيد في أرض العلامات
تتوالى أحداث السيرة الهلالية في الكتاب الثاني منها "أبو زيد في أرض العلامات"، والذي قدمه الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي لنتعرف على هذا التراث الشعبي الملحمي الضخم، ونتابع ما حدث لخضرة الشريفة في أرض العلامات، وما الذي فعله أبو زيد الهلالي في حربه ضد بني عقيل وبني هلال.
أبو زيد في مدرسة الأمراء
عاشت خضرة في منازل "الزُحلان" معززة مكرمة في كنف الملك فاضل بين بيسم رئيس أرض العلامات، ملتزمة قصرها الذي خصصه لها وسط قصور زوجاته لا ترى أحداً ولا يراها أحد، وقد أمر الملك أن يبنى سور حول القصر ويوضع العسكر عليه حتى لا يزعج أحد الأميرة في عزلتها التي اختارتها لنفسها وأمر لها بالخدم لكي يلبوا طلباتها.
ظلت خضرة في منازل زُحلان مع خادمتها سعيدة وولديهما "أبو زيد"، و"أبو القمصان" خمس سنوات، وشب أبو زيد ولا يعرف له والد سوى الملك فاضل، الذي عامله كابن له، في أي وقت كان أبو زيد يذهب لديوان الملك تفتح له الأبواب ويلتف حوله العبيد والخدم.
ده ولدي ولازم أربِّيه
وأرْعَاه بِكل العِنَاية
دَه فَضْل من عِند رَبِّيه
الأسمر ده نور عنايه
أخذت خضرة على عاتقها مهمة تعليم ابنها وتدريبه على فنون الفروسية، وعندما رأت أنها أعطت كل ما لديها من العلم أرسلت رسولاً إلى الملك فاضل يبلغه برغبتها في إلحاق أبنها بمدرسة الأمراء.
وبالفعل التحق "سلامة" بالمدرسة وهو يعتقد انه ابن الملك فاضل، ولم يعلم شيئاً عن سر والدته وما حدث لها في قبائل هلال.
دخَل معَ ولاد السلاطين
ربَاية الرِّجَال الأفاضِل
من دُون الأولاد ..مَتِين
زايد عَنْ وِلْد فاضل
سلامة وجودة
وكان "سلامة" طفلاً غزير العلم واسع المعرفة، يرد ببلاغة على كافة الأسئلة التي يسألها له معلمه الشيخ صالح العقيلي ففرح به وأعطاه جل اهتمامه مما أثار حفيظة باقي التلاميذ.
وفي أحد الأيام تحرش به جودة ابن الأمير سليم أخو الملك فاضل، وكان جودة قد عرف من أهله أن "سلامة" غريب هو ووالدته خضرة، فانتقم منه "سلامة" أمام أقرانهما الذين فروا ليبلغوا الأهل في الدور بما حدث لجودة، وانتصر الملك فاضل لـ "سلامة" وناصره إذ لم يبدأ بالعيب، وعندما علمت أم جودة بما حدث لابنها جن جنونها.
يا جودة اللي يُضْرُبَك مين؟
دَه ما يعيش ولا يوم واحد
يِرُوح بالسلاح قِطْعَتين
أبوك..قَلْبُه ع الخِصْم جاحد
حرضت أم جودة الشيخ صالح على "سلامة" ووعدته بزيادة في أجره مقابل أن يهينه وينتقم منه فانقلب عليه المعلم وكذب، وضرب "سلامة" وأهانه، فجن جنون سلامة "كيف يكون المعلم كاذباً؟".
وعندما عاد للقصر وقص على والدته ما حدث له من الشيخ صالح، قالت له يكفي ما نلته من التعليم ولا تذهب مرة أخرى، ولكن جاريتها سعيدة اعترضت على ذلك وحرضت سيدها " أبو زيد" وسلحته سراً برأس حربة غرسه في صدر الشيخ صالح العقيلي وانتقم منه على كذبه وإهانته له.
الجارية قالت توصِّيه
سكوتك ده..مُوش شِئْ فاضل
إللي يئذيك..إئذيه
حتى..ولو ابن "فاضل"
وانتصر الملك فاضل لـ "سلامة" مرة أخرى، وفي العيد خرج الأولاد كلهم لكي يلعبوا، وأخذت الجارية سعيدة "أبو زيد" إلى فرسه الحمرا لكي يتسابق ويتبارز بالجريد مع أقرانه من الأولاد وكان بينهم جودة ابن سليم.
تبارز كل من جودة و"أبو زيد" بالجريد كل فوق فرسه وكأنهم في حرب وليست مجرد لعبة بين الأولاد ، وحاول جودة أن ينال من "أبو زيد" ولكنه لم يتمكن وتفادى الأخير ضربته، ثم سدد له "أبو زيد" ضربه بالجريدة اخترقت جسده من الأمام ونفذت من الخلف.
ثَبَّتْ رُجُولُه في لاِجُنَابْ
وضَرَبُها ضربةُ أسُوده
من الغَضَب جَزّ عَ النَاب
عدّت في بطن جوده
أخذ سليم جثة أبنه جودة وذهب به لديوان الملك فاضل، يريد أن يقتل "أبو زيد" مثلما قتل أبنه، ولكن الملك فاضل اعترض وأكد على أن جودة هو الذي أخطأ في حق "أبو زيد" وأنه كان يجب عليه أن يثأر لكرامته، ورفض شكوى سليم الذي قال:
إشْمِعْنَى إبني أنا..رخيص
ووَلدك أنت - العبد- غالي..؟
اللي جايبه بشيء ما فيش
وجوده من ضَهْرِي وحَلاَلي
حرب بني عقبل وأبو زيد
عندما علمت زوجة سليم برفض الملك فاضل الاستماع لشكواهم ونصرته لـ "أبو زيد" استعانت - وقد كانت من بني عقيل - بأخوتها وأبناء عمومتها، وبعثت لأخيها "عطوان" الذي تصدى لخضرة وهي وحيدة في الصحراء، لكي يقتل الملك فاضل ويرث زوجها سليم الحكم، ويقضي على أبو زيد.
وأرسل عطوان برسالة إلى الملك فاضل يهدده بالحرب ويأمره بدفع الجزية له وإرسال "سلامة" إليه.
وخاض "سلامة" حروبه الأولى ضد بني عقيل دون أن يدرى أنهم أعداء أهله بني هلال، قتل عطوان، وقتل جاسر وجسار وداغر وجايل الذي كان يسلط الجن ويأمره.
وبعد أن حقق العديد من الانتصارات، لم يجد فرسان بني عقيل سوى أن يستعينوا بفرسان بني هلال للقضاء على العبد الأسود فاستعان بهم "مشرف العقيلي" الذي أرسل خطاب للملك سرحان بن جرامون وشكا إليه أمر العبد.
هزيمة بني هلال
ومثلما هزم "أبو زيد" فرسان بني عقيل هزم فرسان بني هلال وقتل عمه – غير الشقيق- الأمير عسقل دون أن يعرف حقيقة الدور الدنئ الذي لعبه في طرده من قبيلته وهو بعد طفل صغير عمره سبعة أيام، وهزم كل من حسن ابن السلطان سرحان ودياب ابن غانم، وغانم.
ويضطر السلطان سرحان الهلالي أن يذهب إلى "أبو زيد" في جمع من فرسانه لطلب مهلة حتى يتم العثور على فارس هلال الكبير "رزق بن نايل" الذي هجر القبائل مصطحباً ابنته شيحة وعبده نجاح وسكن مفترق الطرق في الصحراء البعيدة لمدة أربعة عشر عام يعيش على الصدقات التي يتلقاها عبده من الحجاج والتجار، وقد استطالت لحيته وأظافره وأصبح كالوحوش نتيجة لإحساسه بالذنب بعد طرد زوجته وأبنه.
ويقول سرحان لنفسه:
ده بهدل رجال بني عقيل
تروح فين فيه الهلايل؟
نهاري ضَلَّم بَقَى ليل
أجيب منين رزق بن نايل؟
البحث عن رزق
ينطلق دياب بن غانم برسالة السلطان سرحان باحثاً عن رزق في الصحراء، وتشعر خضرة بان كارثة على وشك الوقوع بعد أن علمت أن ابنها سوف يحارب أعمامه وأباه واستعانت برأي جاريتها سعيدة التي قالت لها يجب ألا يعلم "أبو زيد" بشيء.
رجع رزق بن نايل مع دياب وابنته شيحة ليرد لبني هلال كرامتهم ويحارب العبد الذي أذلهم
برز ابن نايل ع المُهْرة كالغول
زمن ما طوَّح قناته
ع السَّرْج..جالِسْ معدول
العَربْ تحلف بحياته..
وفي الحرب لا يهزم الوالد ولده ولا ولد والده ترتد الأيدي وتتعلق السيوف في الهواء.
ع الحال ده فِضْلُوا سبع أيام
لا فيهم مغلوب ولا غالب
حاجات.تحصل في الأحلام
تمانين عدد المقالب
يأسر "سلامة" أخته شيحة التي حاولت مساعدة أبيها في حربه ضد العبد، وفي القصر تعرف شيحة أن "سلامة" هو أخوها وتغيب وأمها في العناق والنشيج.
أخدت بنتها بالأحضان
لاتنين ..وقعوا سكارى
باست أيديها أم قمصان
سلامات يا بنت الإمارة
شوفي يا ستي المقدر
سبحان اللي نشاني
دنيا بتصغر وتكبر
وتجمّع الشمل تاني
يعود أبو القمصان عبد "سلامة" وابن سعيدة بشيحة ليلاً إلى خيمة والدها دون أن يدرى سلامة شيئاً عن هذا وتقص شيحة على والدها ما حدث، ويكتشف رزق أن الفارس الأسود هو ابنه الغائب.
يعرف فاضل بعد أربعة عشر عاماً قصة الأميرة خضرة وابنها "أبو زيد"، وتقام الاحتفالات بعد أن عرف رزق أن "أبو زيد" هو ابنه ويخرج الهلايل فرحين، ويستقبل السلطان فاضل رزق ويرحب به، وعلى المأدبة يتجاهل "سلامة" والده وهو يوزع اللحم على العرب وحين يثور رزق يقول سلامة "نسيتني في القماط نسيتك في السماط لتحس إهانة التجاهل والإنكار"
عودة خضرة إلى نجد
عبد الرحمن الأبنودي
ويقرر سلامة أنه متنازل عن حقه لكنه متمسك بحق أمه ويقرر أن يسير جملها على الحرير من ارض العلامات حتى بيتها في نجد وحين يعجز عرب بني هلال عن تحقيق ذلك يستعين السلطان سرحان بابنته "الجازية الهلالية" التي ترى أن يفرش العبيد أمام جمل خضرة كل ما لدى القبائل من حرير يسير الجمل عليه ويطوى العبيد الحرير من الخلف ليفرشوه أمام جملها حتى تصل لمضارب القبائل ويصبح هذا اعترافاً علنياً ببراءة خضرة والتي سوف يطلق عليها منذ الآن "خضرة الشريفة".
فرشوا الحرير الجمل سار
بين الفِراش والمطاوي
لحد ما وصلوا إلى الدار
وخطَّت أول خطاوي